أكد سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري مستشار بالديوان الأميري ومرشح دولة قطر لمنصب مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" على دور التعليم في بناء الوعي بالسلام وتجفيف منابع الإرهاب الذي ينشأ في بؤر التوتر وفي المناطق الفقيرة والبقاع التي يخيم عليها الجهل أيضا.
جاء ذلك خلال كلمة سعادته أمام ممثلي الاتحاد الأوروبي بمقر البرلمان الأوروبي في بروكسل الليلة الماضية.
ودعا سعادة الدكتور الكواري إلى رفع نسب التحاق الأطفال والنساء بالتعليم، لافتا في هذا الصدد إلى مبادرات ومشاريع دولة قطر الداعمة للتعليم على مستوى العالم ومنها مبادرة "علم طفلا" التي سمحت بتعليم أكثر من 10 ملايين طفل في العالم في أكثر المناطق احتياجا للتعليم.
وشدد المرشح القطري على أن تعزيز الأمن الأوروبي والعالمي يتطلّب دعما لخيارات الشعوب في بناء مجتمعات مدنية تقوم على المعرفة مع تحقيق المساواة بين الجنسين في هذا المجال، مثمنا الدور النسائي في البرلمان الأوروبي من أجل تعزيز حضور المرأة في المشهد السياسي وبالتالي تعزيز مكانتها المرأة في العالم.
وأشار إلى أن الاهتمام بالثقافة والتّعليم لأجل بناء السلام في العقول لابد أن يصاحبه حفاظ على المكتسبات الإنسانيّة المشتركة التي تحمل ذاكرة سعي البشريّة نحو التقارب والتعايش، وهي التراث الثقافي العالمي الذي يتعرّض لهجمة إرهابيّة على مقدّراته في أفغانستان وتومبكتو وليبيا والعراق وسوريا من قبل دعاة الجهل المقدّس.
وثمن الكواري في كلمته جهود إيطاليا التي اتّفقت مع اليونسكو على إنشاء فريق عمل من الخبراء في التراث الثقافي لتعزيز التّحالف العالمي "متّحدون من أجل التراث" الذي أُقرّ في الاجتماع السنوي لليونسكو في بون بألمانيا، لأن حماية التراث والتعدديّة الثقافيّة يعتمد على استراتيجيّة طويلة المدى تحتاج في كلّ مرحلة إلى دفع وتطوير للمجهود العالمي، وكذلك الدور الرائد الذي أطلقته المفوّضيّة الأوروبية واليونسكو لتطوير الطرق الثقافيّة من خلال توظيف مواقع التراث العالمي لجذب السياح وتعزيز المؤسسات الثقافيّة في أوروبا لما له من أثر إيجابي على التنمية المستدامة، بما يسمح بتقديم نموذج إرشادي للاستراتيجيّات الإنمائيّة في مناطق عديدة من العالم.
وتابع "إنني أعتبر أنّ حماية التراث قضيّة شخصيّة، لأنّه صمّام أمان المجتمعات وهو ضمير الإنسانيّة" لافتا إلى أن تتويجه مؤخرا بجائزة "رجل التراث العربي 2016"، يزيد من دوره المستقبلي في أن تلعب اليونسكو دورا رياديّا في سنّ تشريعات تجرّم كلّ من ينتهك تراثنا العالمي.
وأضاف "لقد ساهمت اليونسكو منذ أكثر من سبعين عاما في بناء السّلام في العالم، وهي تحتاج اليوم إلى انطلاقةٍ جديدة تستوعب المتغيّرات العالميّة"، مؤكدا أن ترشحه لإداراتها يأتي انطلاقا من خبرته الطويلة في مجال العمل الدبلوماسي ودعم دولة قطر المستمرّ لليونسكو، بالاضافة إلى برنامجه الذي يهدف إلى تحقيق انطلاقة المنظمة وهي كلّها عوامل مساعدة لتحمّل هذه الأمانة، وأنه يدرك كافة الصّعوبات التي تواجهها المنظّمة، وخاصة فيما يتعلّق بالموارد الماليّة والحوكمة ودعم الشفافيّة.
وأكد أنه سوف سيواصل ما بناه الآباء المؤسسون والأمناء العامّون السابقون لتصل جهود اليونسكو إلى كلّ فرد ومؤسّسة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أهمية الدّور الجوهري للمنظّمات الأهليّة والمدنيّة والجمعيّات الخيريّة وقال " سأسعى إلى إقناع هذه المنظّمات كي تلعب دورها الحقيقي في معاضدة مشاريع اليونسكو لأنّ أهدافنا مشتركة وغاياتنا واحدة" وتابع "وسأعمل بكامل جهدي على عودة دور الولايات المتّحدة الأمريكيّة، فاليونسكو تحتاج إلى الجميع مثلما يحتاج الجميع إلى اليونسكو، مؤكدا على أهمية دعم الاتّحاد الأوروبي للمرشح القطري خاصة أن أوروبا سوف تظل هي الحاضنة لليونسكو، كما أن العمل الذي ينتظرنا هو عمل جماعي ومشترك، فلنعمل جميعا
وجدد سعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكوّاري مستشار بالديوان الأميري ومرشّح دولة قطر مديرا عاما لليونسكو دعوته أمام الاتحاد الأوروبي لتخصيص "يوم عالمي للثقافة ضدّ الإرهاب"، مشددا على أن المعركة مع الارهاب هي معركة ثقافيّة بالدرجة الأولى، ولذلك يعدُّ تغيير العقول هو المهمة الرئيسية في تجفيف ينابيع الإرهاب، معربا عن تقديره للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حين سارع إلى اليونسكو إثر هجمات باريس وتحدّث فيها باعتبارها الملاذ في مواجهة الإرهاب والتّطرّف وأن الثقافة هي الحصن المنيع للتعايش والسّلام.
و كان المرشح القطري قد تناول في كلمته ارتباط دولة قطر والحضارة العربية والاسلامية عموما بروابط تاريخية ومصالح المشتركة وجهد المستمرّ من أجل ترسيخ القيم السامية والمشتركة التي تمثّلها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من تسامحٍ ورفضٍ للعنف وسعيٍ إلى تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في العالم.
وقال " إنّني كمثقف ومواطن كوني مفعم بالإرادة والحماسة لأجل تحقيق القيم المثلى، أتقاسم معكم المشاعر ذاتها في هذا المكان الذي يجمعنا ليشهد على عزمنا المشترك على بلوغ هدف جوهري وهو يتمثل في تحقيق السّلام في العالم الذي يتطلب منا تجاوز كل خلافاتنا وتمايزاتنا الثقافيّة"، لافتا إلى تجربة الاتّحاد الأوروبي بوصفها تجربة إنسانيّة وسياسيّة وثقافيّة بامتياز لأنها جامعة لثقافات ولغات متعدّدة رغم ما يعتريه من صعوبات فرضتها التحديات التي يواجهها على المستوى الإقليمي والعالمي.
وأضاف "إنّني أقف الآن بينكم في بلجيكا، البلد الذي دفع ثمنا باهظا في سبيل مقاومته للإرهاب، وفي مدينة بروكسل التي تمثل التعدّدية بكونها عاصمة لقارة متعددة اللغات والثّقافات، وبقدر ما أعبّر عن تضامني لأوروبا في حربها ضدّ الإرهاب، فإنّني أريدُ أن أؤكد أنّ الإرهاب عدوّ الإنسانيّة بأسرها، وهو عابر للقارّات، ويشكّل خطرا دوليّا ويستهدفنا جميعا ممّا يحتّم علينا أن نكون صفّا واحدا في مجابهته لأجل القيم الإنسانيّة المشتركة".
وأشار الدكتور الكواري إلى علاقته السابقة بدول أوروبا وعمله سفيرا في أربع دول أوروبيّة، وحمله أوسمةَ هذه الدّول، وإسهامه مع مثقّفي وساسة أوروبا في تقارب الشّعوب وإنشاء جسور التّواصل بين الحضارات ، كما كانت له فكرة إنشاء معهد العالم العربي بباريس منذ أن كانت مشروعا في ثمانينات القرن الماضي إلى أن أصحبت واقعا، مؤكدا على إيمانه العميق بالدبلوماسيّة الثقافيّة بوصفها قوّة ناعمة تقوّي الرّوابط بين الشّرق والغرب وتحفّز الحوار بين الشّعوب.
جدير بالذكر أن هذا اللقاء تم بالتنسيق بين جمعية الصداقة القطرية الأوروبية البرلمانية والبعثة القطرية لدى الاتحاد الأوروبي وحضره سعادة الشيخ علي بن جاسم آل ثاني، سفير دولة قطر لدى مملكة بلجيكا ودوقية لوكسمبورغ، ورئيس بعثة دولة قطر لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو" ولفيف من الشخصيات البلجيكية رفيعة المستوى، وأصحاب السعادة المفوضين الأوروبيين ومسؤولين من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وعدد كبير من البرلمانيين الأوروبيين إلى جانب أصحاب السعادة السفراء العرب والأجانب المعتمدين ببروكسل والممثلين الدائمين لدى الاتحاد الأوروبي.